فتى مكة
08-08-2018, 10:14 PM
كتب غابرييل غارسيا ماركيز عن "كوبا في زمن الحصار"
ومن وحي كل (طروادة) تحت الحصار تلك الكلمات ..
-1-
رائحة الموت الأسود تفوح من كل مكان .. وتغمر روائح الكادي والورود والأزهار البرية ..
أطفال المدارس اكتحلت أجفانهم بقنابل النابالم ، وتناثرت شظاياهم مع كتب الدراسة وأقلام الرسم والدفاتر ..
الموت المجاني المرعب يخيم على المدى الرحيب ، وينشر أجنحته في الأفق البعيد ، ويلقي بظلاله الكئيبة على كل الشوارع والحارات والمزارع والمرتفعات والسهول والبيوت ..
الموت وحش أعمى فاقد الرشد والبصيرة .. مثل التنين الخرافي أو الوحوش التي كانت تنازل (هرقل) في الأساطير اليونانية ..
الموت يغتال الأطفال في المدارس .. والمرضى والأطباء في المستشفيات او في سيارات الإسعاف ..
الموت يقتل المصلين والمعتكفين في المساجد .. والتجار في أسواق وسط البلد .. والكادحين بلقمة عيش مغمسة بالعرق والدموع ..
الموت يبتلع الراقصين في الأفراح .. والرعاة في الجبال وقطعان الماشية .. وحتى الأموات الذين يرقدون في قبورهم وأضرحتهم بسلام ..
لم تعد الأرض تتسع للمزيد من الضحايا ..
لقد ارتوت من الدماء التي سقتها حتى الثمالة ..
وكل شهيدٍ يهوي إلى القاع ويمتزج دمه بالتراب ويتدفق في أوردة الأرض ، ثم ينبت عند الفجر وينبثق ويتفتح زهورا حمراء من فصيلة "شقائق النعمان" تملأ أرجاء الأودية ..
الشهداء يعودون كل مساء ..
هم لم يرحلوا بعيدا عنا ..
إنهم يعودون أشباحا هائمة وسارحة عندما يغيب القمر .. يجولون حول المنازل والمغاني والمسارح .. ويتفقدون أشياءهم الثمينة ونوافذ بيوتهم ومفاتيح الأبواب ..
كل شهيد ينزل ويهبط على الأرض ، ويربط حصانه بجذع شجرة في فناء المنزل ، ويدخل بيته ثم يطبع قبلة ناعمة على جبين طفله اليتيم لاتوقظه وهو نائم يحلم بالسنابل ، أو يختلي في موعد غرام مع عشيق في الظلام ، وظلال نجم منطفئ يومض من بعيد وهو يرمق العاشقين بحنوّ وإشفاق .. وعند الفجر تحمله الملائكة على أجنحتها وتصعد به للسماء .. !!ّ
-2-
(طروادة) مقبرة الغزاة وأعجوبة أعاجيب هذا الزمان وكل زمان ..
عند أسوارها العالية تتكسر جحافل الهمج والبرابرة ..
طروادة تقبض على الجمر ولا تحترق أصابعها أو راحة يدها ..
(أجاممنون) مجرم حرب وتاجر دم يحشد الحلفاء من بلاد اليونان ويزحف على طروادة كما حشد (أبو سفيان) وزحف مع جنود (الأحزاب) إلى يثرب .. !!
و(أخيل) هذا البطل الخارق ابن الإلهة ( ثيتس ) ليس سوى مرتزق ومقاتل أجير لحساب الملوك الطغاة المستبدين ..
و(أوديسيوس) المخادع يصنع (حصان طروادة) ثم لاتنطلي تلك المكيدة على الطرواديين الدهاة الأشداء والرجال الرجال .. !!
و(باريس بن بريام) يخطف (هيلين) الجميلة التي وعدته بها (الآلهة) لأنها لا تليق إلا بأشد الرجال وسامة وجمالاً ..
أما (هيكتور) فارس طروادة الشجاع المنافح عن الأرض والعرض والكرامة فهو البطل الحقيقي في ساحة الخلود ، وليس سواه كما تقول الإشاعات الكاذبة ..
-3-
طوبى لك يا طروادة !
يا مدينة المجد والشهامة والشجاعة والإباء ..
كم أنت عصيّة على الأعداء ورأسك مرفوعة للسماء وأصابعك تطال النجوم البعيدة ..
عند أقدامك تركع آلهة الشر والظلام ..
وأنت لا تركعين لهم ولا تسجدين .. ولا تسبحين بحمدهم ولا توقدين البخور وترتلين الترانيم الكاذبة المنافقة الجبانة ، ولا تستغفرين أو تتوسلين الرحمة من الأشرار ، ولا تصافحين الأيدي القاتلة الملطخة بالدماء الزكية .. إن استسلام طروادة هو من وساوس الشيطان وحديث النفس الأمارة بالسوء .. !!
كل حجر ، وكل حبة رمل ، وكل نسمة هواء منك محرّمة عليهم إلى يوم يبعثون ..
لست أنتِ تحت الحصار بل هم ونحن جميعا ..
-4-
طروادة !
أنت التي تواسيني وتعلميني ، وتشدّ من أزري ، وترتفع بقامتي ، وتسكب في عروقي القوة ، وتشحن في نفسي طاقة الأمل والرجاء والعنفوان كلما هممتُ أن أحنو عليك وأكفكف دموعك وأضمّد جراحك ..
أنت التي علمتني أن (الإسلام) صوت الحق والعدل والضمير ، وصرخة المضطهدين ، وليس القتل والتكفير والإرهاب والتطرف والتخلف .. أو ألعوبة في أيدي المخابرات مجنّد مستغفل ومجنون في صراعات قوى عظمى ..
وأنت التي علمتني أن (العروبة) ثقافة وانتماء وليست عنصرية حاقدة بغيضة ، وأن (القومي العروبي) لايكون طائفيا ولا يلعب بورقة (العروبة) كما يلعب بورقة (الدين والمذهب) خدمة لمصالح معلوم من يقف وراءها ومن ينفخ جذوتها حتى تستحيل نارا محرقة ..
وأنت التي علمتني معنى (الإستقلال) و(السيادة) و(الوطنية) وكل المصطلحات التي جرى التلاعب بها وتزييف معانيها وتحريف حقائقها ..
لقد أعدت إلى اللسان العربي معناه كما أعدت العنفوان إلى نفسي المكلومة ..
سلامٌ عليك يا طروادة وعلى شهدائك في الخالدين .
ومن وحي كل (طروادة) تحت الحصار تلك الكلمات ..
-1-
رائحة الموت الأسود تفوح من كل مكان .. وتغمر روائح الكادي والورود والأزهار البرية ..
أطفال المدارس اكتحلت أجفانهم بقنابل النابالم ، وتناثرت شظاياهم مع كتب الدراسة وأقلام الرسم والدفاتر ..
الموت المجاني المرعب يخيم على المدى الرحيب ، وينشر أجنحته في الأفق البعيد ، ويلقي بظلاله الكئيبة على كل الشوارع والحارات والمزارع والمرتفعات والسهول والبيوت ..
الموت وحش أعمى فاقد الرشد والبصيرة .. مثل التنين الخرافي أو الوحوش التي كانت تنازل (هرقل) في الأساطير اليونانية ..
الموت يغتال الأطفال في المدارس .. والمرضى والأطباء في المستشفيات او في سيارات الإسعاف ..
الموت يقتل المصلين والمعتكفين في المساجد .. والتجار في أسواق وسط البلد .. والكادحين بلقمة عيش مغمسة بالعرق والدموع ..
الموت يبتلع الراقصين في الأفراح .. والرعاة في الجبال وقطعان الماشية .. وحتى الأموات الذين يرقدون في قبورهم وأضرحتهم بسلام ..
لم تعد الأرض تتسع للمزيد من الضحايا ..
لقد ارتوت من الدماء التي سقتها حتى الثمالة ..
وكل شهيدٍ يهوي إلى القاع ويمتزج دمه بالتراب ويتدفق في أوردة الأرض ، ثم ينبت عند الفجر وينبثق ويتفتح زهورا حمراء من فصيلة "شقائق النعمان" تملأ أرجاء الأودية ..
الشهداء يعودون كل مساء ..
هم لم يرحلوا بعيدا عنا ..
إنهم يعودون أشباحا هائمة وسارحة عندما يغيب القمر .. يجولون حول المنازل والمغاني والمسارح .. ويتفقدون أشياءهم الثمينة ونوافذ بيوتهم ومفاتيح الأبواب ..
كل شهيد ينزل ويهبط على الأرض ، ويربط حصانه بجذع شجرة في فناء المنزل ، ويدخل بيته ثم يطبع قبلة ناعمة على جبين طفله اليتيم لاتوقظه وهو نائم يحلم بالسنابل ، أو يختلي في موعد غرام مع عشيق في الظلام ، وظلال نجم منطفئ يومض من بعيد وهو يرمق العاشقين بحنوّ وإشفاق .. وعند الفجر تحمله الملائكة على أجنحتها وتصعد به للسماء .. !!ّ
-2-
(طروادة) مقبرة الغزاة وأعجوبة أعاجيب هذا الزمان وكل زمان ..
عند أسوارها العالية تتكسر جحافل الهمج والبرابرة ..
طروادة تقبض على الجمر ولا تحترق أصابعها أو راحة يدها ..
(أجاممنون) مجرم حرب وتاجر دم يحشد الحلفاء من بلاد اليونان ويزحف على طروادة كما حشد (أبو سفيان) وزحف مع جنود (الأحزاب) إلى يثرب .. !!
و(أخيل) هذا البطل الخارق ابن الإلهة ( ثيتس ) ليس سوى مرتزق ومقاتل أجير لحساب الملوك الطغاة المستبدين ..
و(أوديسيوس) المخادع يصنع (حصان طروادة) ثم لاتنطلي تلك المكيدة على الطرواديين الدهاة الأشداء والرجال الرجال .. !!
و(باريس بن بريام) يخطف (هيلين) الجميلة التي وعدته بها (الآلهة) لأنها لا تليق إلا بأشد الرجال وسامة وجمالاً ..
أما (هيكتور) فارس طروادة الشجاع المنافح عن الأرض والعرض والكرامة فهو البطل الحقيقي في ساحة الخلود ، وليس سواه كما تقول الإشاعات الكاذبة ..
-3-
طوبى لك يا طروادة !
يا مدينة المجد والشهامة والشجاعة والإباء ..
كم أنت عصيّة على الأعداء ورأسك مرفوعة للسماء وأصابعك تطال النجوم البعيدة ..
عند أقدامك تركع آلهة الشر والظلام ..
وأنت لا تركعين لهم ولا تسجدين .. ولا تسبحين بحمدهم ولا توقدين البخور وترتلين الترانيم الكاذبة المنافقة الجبانة ، ولا تستغفرين أو تتوسلين الرحمة من الأشرار ، ولا تصافحين الأيدي القاتلة الملطخة بالدماء الزكية .. إن استسلام طروادة هو من وساوس الشيطان وحديث النفس الأمارة بالسوء .. !!
كل حجر ، وكل حبة رمل ، وكل نسمة هواء منك محرّمة عليهم إلى يوم يبعثون ..
لست أنتِ تحت الحصار بل هم ونحن جميعا ..
-4-
طروادة !
أنت التي تواسيني وتعلميني ، وتشدّ من أزري ، وترتفع بقامتي ، وتسكب في عروقي القوة ، وتشحن في نفسي طاقة الأمل والرجاء والعنفوان كلما هممتُ أن أحنو عليك وأكفكف دموعك وأضمّد جراحك ..
أنت التي علمتني أن (الإسلام) صوت الحق والعدل والضمير ، وصرخة المضطهدين ، وليس القتل والتكفير والإرهاب والتطرف والتخلف .. أو ألعوبة في أيدي المخابرات مجنّد مستغفل ومجنون في صراعات قوى عظمى ..
وأنت التي علمتني أن (العروبة) ثقافة وانتماء وليست عنصرية حاقدة بغيضة ، وأن (القومي العروبي) لايكون طائفيا ولا يلعب بورقة (العروبة) كما يلعب بورقة (الدين والمذهب) خدمة لمصالح معلوم من يقف وراءها ومن ينفخ جذوتها حتى تستحيل نارا محرقة ..
وأنت التي علمتني معنى (الإستقلال) و(السيادة) و(الوطنية) وكل المصطلحات التي جرى التلاعب بها وتزييف معانيها وتحريف حقائقها ..
لقد أعدت إلى اللسان العربي معناه كما أعدت العنفوان إلى نفسي المكلومة ..
سلامٌ عليك يا طروادة وعلى شهدائك في الخالدين .