فتى مكة
01-05-2015, 08:00 PM
ماذا يبقى من (نزار قباني) بعد ذكرى مرور 17 عاما على رحيله ؟ّ!
يبقى في الذاكرة قصائد وأغاني وأشعار حب وثورة .. وذكريات وأوجاع ودموع ..
ويبقى في النفس أحلام منتحرة وقلب مكسور ..
يبقى من (نزار) ثورة الغضب والإحباط والساديّة في النقد وجلد الذات ..
ويبقى في المكتبة دواوين تسرّبت بعدما أفلتت من الرقابة بأعجوبة بصفحات ممزقة وكلمات مطموسة بالحبر الأسود ،
أو مجلة أسبوعية تنوّه على الغلاف بقصيدة (نزار) في داخل العدد ، ولكن الرقيب أزالها بالمقصّ لأنه يعشق جمع التحف والروائع الفنيّة .. وللرقابة مع (نزار) قصة غرام وانتقام حتى أنه كتب ذات مرة مقالا خاصا في هجاء الرقيب الذي يفحص قصائده بأشعة إكس وأشعة الليزر !!
يقول (نزار) في سيرته الذاتية الأولى:" مفاتيح شعري ثلاثة :الطفولة والثورة والجنون " ( قصتي مع الشعر) . ومن يحتمل طفلا وثائرا ومجنونا ؟؟!!
ومن كان ذلك شأنه فهو مثالي ومتطرف في مواقفه وأفكاره سواء الأدبية أو السياسية لايوجد عنده منطقة وسطى بين الجنة والنار ..
فهو في الغزل "عاشق قرمطي" لايقبل أنصاف الحلول ، وفي السياسة هو قومي متشدد لايرضى بأقل من الوحدة العربية الشاملة من المحيط للخليج وإزالة "إسرائيل" من الوجود ولايقبل بأي صلح أو تفاهم أو حساب لموازين القوى الواقعية على الأرض حتى لو التبس هذا الموقف بالعنصرية ضدّ اليهود عموما والإعجاب بهتلر والنازية مثل هذا البيت: ( هتلرٌ يرحمه الرحمن لم يمحقهم ويريح الأرض منهم .. فأتوا من بعده كي يمحقونا ) وهو مقطع من قصيدة (قانا) رفض جهاد الخازن أن ينشره في جريدة (الحياة) إلا بعد التعديل ، لأنه لايترحم على النازيّ !!
ومن مزايا (الطفولة) سرعة الرضا وسرعة الغضب ، فهو يهجو (النفط) ويكتب قصيدة "الحبّ والبترول" ولكن بعد حرب 73 وقرار قطع النفط عن الدول الغربية يكتب " حبيبتي تتعطر بالنفط" ، وهو يكتب مقالة في جريدة الحياة بعد أول قمة عربية أعقبت حرب الخليج عام 91م يتغنى فيها بالعروبة ، وكأن مشكلات العرب قد انتهت بمجرد عقد هذا المؤتمر ، فإن كانت تلك (الطفولة) حسب تعبيره صفة تلائم الشعراء فهل هي كذلك تلائم المفكر السياسي أو الباحث الاستراتيجي ؟؟!
نزار قباني .. سيرة خمسين عاما في الغزل ومديح النساء وهجاء السلاطين !
لايبوس اليدين شعري وأحرى ... بالسلاطين أن يبوسوا يديه !
عندما أتصفح أي ديوان أو قصيدة مغناج تتباهي بأناقة المفردات وروعة الخيال يتسلّق الياسمين الدمشقي على أصابعي ، وتنفرش الصفحات بالورد البلدي والأضاليا والشمشير والكبّاد .. وهي أنواع من الزهور ربما لانعثر عليها إلا في دواوين نزار قباني حصرا ..
يقول أحد النقاد ( بول شاؤول ) ما معناه إن أجمل قصائد نزار قباني هي في مرحلة الخمسينات والستينات ، وبعد ذلك قصائده تقرأ مرة واحدة وترمى !! ، وهو حكم فيه قدر من الصحة والتجاوز أيضا ، لأنه حتى آخر دواوين نزار لايخلو أن تجد في كل ديوان قصيدة أو قصيدتين مما يُقرأ مرارا ويُحتفظ به .. والحقيقة أن ذلك شيء متوقع لأن لغة الدواوين القديمة ( أنت لي ، وقصائد ، وحبيبتي ، والرسم بالكلمات .. ) هي لغة رومانسية عاطفية متأنقة لأقصى حد ومتواكبة مع اندفاعة عاطفة الشباب الثائر ، أما قصائده التالية فقد لجأ إلى أسلوب التقرير أو الريبوتاج الصحفي وتخفف من البلاغة كثيرا ، وخاصة في القصائد السياسية التالية ل67م
كما أن الشاعر ومع تقدّم السن وإفلاس الشعور أحيانا أو الملل والتشبّع أحيانا أخرى قد تحولت قصائده الغزلية إلى حوار ثقافي ونقاشات جدلية .. !!
ومن مزايا شعر (نزار) الوضوح والبعد عن أيّ غموض لغوي أو فلسفي حتى أن القارئ لايلزمه الاستعانة بأي قاموس لقراءة شعره ، وهذا ما جعل ناقدا وشاعرا مفكرا مثل (أدونيس) يرى أن " مقتل نزار قباني هو وضوح شعره " ، ويردّ عليه نزار قائلا وهو يغمزه بغموض أشعاره :"إن أدونيس لاعلاقة له بالشعر بعد أن اشتغل بالكيمياء " !!
وكذلك لاشك أن يقصد (أدونيس) بصورة مباشره في البيت الذي يقول فيه:
نرفض الشعر كيمياءً وسحرا ... قتلتنا القصيدةُ الكيمياءُ !
نزار قباني شاعر متميّز عن معظم شعراء عصره ، فهو ينشر أشعاره بنفسه على حسابه ، وأحيانا ينشر قصيدة single في ديوان خاص وذلك قبل مطربي أغاني السينغل !! ومن تلك القصائد المنشورة منفردة ( إفادة في محكمة الشعر .. هوامش على دفتر النكسة .. منشورات فدائية على جدران إسرائيل .. اليوميات السرّية لبهية المصرية ،وهي قصيدة في هجاء السادات .. )
لمّا حلت الذكرى السنوية لرحيل نزار انتزعتُ من المكتبة آخر دواوين الشاعر " أبجدية الياسمين" المطبوع في 2008م أي بعد وفاته بعشر سنوات من قصائد لم تنشر من قبل ، والديوان صورة زنكوغرافية عن خط الشاعر وكأنّه وثيقة نادرة ، وإن كان الشاعر في حياته طبع أحد دواوينه بتلك الطريقة ( ديوان قصائد متوحّشة ) ، وهي أشعار وكتابات في تصوّر حالة الشاعر وهو يرقد على سرير المرض في مستشفى سان توماس لندن في عامية الآخيرين ، بل لعله يصوّر حالتنا الآن وهو يقول:
طعنوا العروبة في الظلام بخنجر ... فإذا همُ بين اليهود يهودُ !
من بين تلك القصائد الأخيرة نقف عند تلك القصيدة بدون عنوان إذ لم يُمَدّ له في الأجل حتى يختار العنوان وهي بتاريخ مارس 1998م:
ما تراني أقولُ ليلة عُرسي ... جفّ وردُ الهوى ونام السامرْ
ما تراني أقولُ يا أصدقائي ... في زمانً تموت فيه المشاعر ؟
لم يعد في فمي قصيدةُ حبٍ ... سقط القلبُ تحت وقع الحوافر
ألفُ شكرٍ لكم .. فأنتم شراعي ... وبحاري والغاليات الجواهر
فأنا منكمُ سرقتُ الأحاسيسَ ... وعنكمْ أخذتُ لون المحاجر
أنتم المبدعون أجمل شعري ... وبغير الشعوب ماطار شاعر
فعلى صوتكم أدوزن شعري ... وبأعراسكم أزف البشائر
****************
أنزف الشعر منذ خمسين عاما ... ليس سهلا أن يصبح المرءُ شاعر
هذه همنة المجانين في الأرض ... وطعم الجنون طعمٌ باهر
أنزف العشق والنساء بصمتٍ ... هل لهذا الحزن الدمشقيّ آخر ؟
لستُ أشكو قصيدة ذبحتني ... قدري أن أموت فوق الدفاتر
بي شيءٌ من عزة المتنبي ... وبقايا من من نار مجنون عامر
فخذوا شهرتي التي أرهقتني ... والإذاعات كلها والمنابر
وامنحوني صدرا أنامُ عليه ... واصلبوني على سواد الظفائر
أنا من أمّة على شكل نايٍ ... هي دوما حبلى بمليون شاعر
كلُّ أطفالنا يقولون شعرا ... والعصافير والربى والبيادر
مابنا حاجةٌ لمليون ديكٍ ... نحن في حاجة لمليون ثائر
تطلق الأرض شاعرا كل قرنٍ ... لا تباع الأشعار مثل السجائر
هل سعدنا بشعرنا أم شقينا ... أم غفينا على رنين القياثر ؟
فانتصرنا يوما ببحرٍ طويلٍ ... وانهزمنا يوما ببحر الوافر
*****************
أنا في الشعر قاتلٌ أو قتيلٌ ... ماهو الشعر عندما لا يغامر ؟
مهنتي أنأغيّر الكون بالشعر ... وفي ليلهِ أضيء المنائر
مهنتي أن أعمّر الأرض عشقا ... وأغنّي لكل ظبيٍ نافر
مهنتي أن أقول مالم تقولوا ... وضميري يقول كلَّ الضمائر
المواويل في دمائي تجري ... فإلى أين من دمي سأهاجر ؟
إنني أنزف الحقيقة نزفا ... مثلما تنزف الدموعَ المحاجر
أكلتني حرائقُ الشعر حتى ... قيل عني مهرّجٌ أو ساحر
فاعذروني إذا نزفتُ بروقا ... يكتبُ الحرُّ رأيه بالأظافر
للمليحات كل حبي وشعري ... فلقد كنّ في حياتي الأزاهر
إنّ فضل النساء فضلٌ عظيمٌ ... فأنا دونهنّ طفلٌ قاصر
إنني دائخٌ أمام الجميلات ... فثغرٌ يأتي وخصرٌ يسافر
رُبّ نهدٍ غسلته بدموعي ... فتشظى كعلبةٍ للجواهر
الحضاراتُ كلها شُغلُ أنثى ... والثقافاتُ من رنين الأساور
تزرعُ المرأةُ السنابلََ والوردَ ... ويبقى كلُّ الرجال عشائر
نزار قباني ولد في الربيع ورحل في الربيع .. والإله ( تمّوز) في الأساطير لايموت بل ينام في أعماق الأرض ويستيقظ كل عام في موسم الربيع !!
يبقى في الذاكرة قصائد وأغاني وأشعار حب وثورة .. وذكريات وأوجاع ودموع ..
ويبقى في النفس أحلام منتحرة وقلب مكسور ..
يبقى من (نزار) ثورة الغضب والإحباط والساديّة في النقد وجلد الذات ..
ويبقى في المكتبة دواوين تسرّبت بعدما أفلتت من الرقابة بأعجوبة بصفحات ممزقة وكلمات مطموسة بالحبر الأسود ،
أو مجلة أسبوعية تنوّه على الغلاف بقصيدة (نزار) في داخل العدد ، ولكن الرقيب أزالها بالمقصّ لأنه يعشق جمع التحف والروائع الفنيّة .. وللرقابة مع (نزار) قصة غرام وانتقام حتى أنه كتب ذات مرة مقالا خاصا في هجاء الرقيب الذي يفحص قصائده بأشعة إكس وأشعة الليزر !!
يقول (نزار) في سيرته الذاتية الأولى:" مفاتيح شعري ثلاثة :الطفولة والثورة والجنون " ( قصتي مع الشعر) . ومن يحتمل طفلا وثائرا ومجنونا ؟؟!!
ومن كان ذلك شأنه فهو مثالي ومتطرف في مواقفه وأفكاره سواء الأدبية أو السياسية لايوجد عنده منطقة وسطى بين الجنة والنار ..
فهو في الغزل "عاشق قرمطي" لايقبل أنصاف الحلول ، وفي السياسة هو قومي متشدد لايرضى بأقل من الوحدة العربية الشاملة من المحيط للخليج وإزالة "إسرائيل" من الوجود ولايقبل بأي صلح أو تفاهم أو حساب لموازين القوى الواقعية على الأرض حتى لو التبس هذا الموقف بالعنصرية ضدّ اليهود عموما والإعجاب بهتلر والنازية مثل هذا البيت: ( هتلرٌ يرحمه الرحمن لم يمحقهم ويريح الأرض منهم .. فأتوا من بعده كي يمحقونا ) وهو مقطع من قصيدة (قانا) رفض جهاد الخازن أن ينشره في جريدة (الحياة) إلا بعد التعديل ، لأنه لايترحم على النازيّ !!
ومن مزايا (الطفولة) سرعة الرضا وسرعة الغضب ، فهو يهجو (النفط) ويكتب قصيدة "الحبّ والبترول" ولكن بعد حرب 73 وقرار قطع النفط عن الدول الغربية يكتب " حبيبتي تتعطر بالنفط" ، وهو يكتب مقالة في جريدة الحياة بعد أول قمة عربية أعقبت حرب الخليج عام 91م يتغنى فيها بالعروبة ، وكأن مشكلات العرب قد انتهت بمجرد عقد هذا المؤتمر ، فإن كانت تلك (الطفولة) حسب تعبيره صفة تلائم الشعراء فهل هي كذلك تلائم المفكر السياسي أو الباحث الاستراتيجي ؟؟!
نزار قباني .. سيرة خمسين عاما في الغزل ومديح النساء وهجاء السلاطين !
لايبوس اليدين شعري وأحرى ... بالسلاطين أن يبوسوا يديه !
عندما أتصفح أي ديوان أو قصيدة مغناج تتباهي بأناقة المفردات وروعة الخيال يتسلّق الياسمين الدمشقي على أصابعي ، وتنفرش الصفحات بالورد البلدي والأضاليا والشمشير والكبّاد .. وهي أنواع من الزهور ربما لانعثر عليها إلا في دواوين نزار قباني حصرا ..
يقول أحد النقاد ( بول شاؤول ) ما معناه إن أجمل قصائد نزار قباني هي في مرحلة الخمسينات والستينات ، وبعد ذلك قصائده تقرأ مرة واحدة وترمى !! ، وهو حكم فيه قدر من الصحة والتجاوز أيضا ، لأنه حتى آخر دواوين نزار لايخلو أن تجد في كل ديوان قصيدة أو قصيدتين مما يُقرأ مرارا ويُحتفظ به .. والحقيقة أن ذلك شيء متوقع لأن لغة الدواوين القديمة ( أنت لي ، وقصائد ، وحبيبتي ، والرسم بالكلمات .. ) هي لغة رومانسية عاطفية متأنقة لأقصى حد ومتواكبة مع اندفاعة عاطفة الشباب الثائر ، أما قصائده التالية فقد لجأ إلى أسلوب التقرير أو الريبوتاج الصحفي وتخفف من البلاغة كثيرا ، وخاصة في القصائد السياسية التالية ل67م
كما أن الشاعر ومع تقدّم السن وإفلاس الشعور أحيانا أو الملل والتشبّع أحيانا أخرى قد تحولت قصائده الغزلية إلى حوار ثقافي ونقاشات جدلية .. !!
ومن مزايا شعر (نزار) الوضوح والبعد عن أيّ غموض لغوي أو فلسفي حتى أن القارئ لايلزمه الاستعانة بأي قاموس لقراءة شعره ، وهذا ما جعل ناقدا وشاعرا مفكرا مثل (أدونيس) يرى أن " مقتل نزار قباني هو وضوح شعره " ، ويردّ عليه نزار قائلا وهو يغمزه بغموض أشعاره :"إن أدونيس لاعلاقة له بالشعر بعد أن اشتغل بالكيمياء " !!
وكذلك لاشك أن يقصد (أدونيس) بصورة مباشره في البيت الذي يقول فيه:
نرفض الشعر كيمياءً وسحرا ... قتلتنا القصيدةُ الكيمياءُ !
نزار قباني شاعر متميّز عن معظم شعراء عصره ، فهو ينشر أشعاره بنفسه على حسابه ، وأحيانا ينشر قصيدة single في ديوان خاص وذلك قبل مطربي أغاني السينغل !! ومن تلك القصائد المنشورة منفردة ( إفادة في محكمة الشعر .. هوامش على دفتر النكسة .. منشورات فدائية على جدران إسرائيل .. اليوميات السرّية لبهية المصرية ،وهي قصيدة في هجاء السادات .. )
لمّا حلت الذكرى السنوية لرحيل نزار انتزعتُ من المكتبة آخر دواوين الشاعر " أبجدية الياسمين" المطبوع في 2008م أي بعد وفاته بعشر سنوات من قصائد لم تنشر من قبل ، والديوان صورة زنكوغرافية عن خط الشاعر وكأنّه وثيقة نادرة ، وإن كان الشاعر في حياته طبع أحد دواوينه بتلك الطريقة ( ديوان قصائد متوحّشة ) ، وهي أشعار وكتابات في تصوّر حالة الشاعر وهو يرقد على سرير المرض في مستشفى سان توماس لندن في عامية الآخيرين ، بل لعله يصوّر حالتنا الآن وهو يقول:
طعنوا العروبة في الظلام بخنجر ... فإذا همُ بين اليهود يهودُ !
من بين تلك القصائد الأخيرة نقف عند تلك القصيدة بدون عنوان إذ لم يُمَدّ له في الأجل حتى يختار العنوان وهي بتاريخ مارس 1998م:
ما تراني أقولُ ليلة عُرسي ... جفّ وردُ الهوى ونام السامرْ
ما تراني أقولُ يا أصدقائي ... في زمانً تموت فيه المشاعر ؟
لم يعد في فمي قصيدةُ حبٍ ... سقط القلبُ تحت وقع الحوافر
ألفُ شكرٍ لكم .. فأنتم شراعي ... وبحاري والغاليات الجواهر
فأنا منكمُ سرقتُ الأحاسيسَ ... وعنكمْ أخذتُ لون المحاجر
أنتم المبدعون أجمل شعري ... وبغير الشعوب ماطار شاعر
فعلى صوتكم أدوزن شعري ... وبأعراسكم أزف البشائر
****************
أنزف الشعر منذ خمسين عاما ... ليس سهلا أن يصبح المرءُ شاعر
هذه همنة المجانين في الأرض ... وطعم الجنون طعمٌ باهر
أنزف العشق والنساء بصمتٍ ... هل لهذا الحزن الدمشقيّ آخر ؟
لستُ أشكو قصيدة ذبحتني ... قدري أن أموت فوق الدفاتر
بي شيءٌ من عزة المتنبي ... وبقايا من من نار مجنون عامر
فخذوا شهرتي التي أرهقتني ... والإذاعات كلها والمنابر
وامنحوني صدرا أنامُ عليه ... واصلبوني على سواد الظفائر
أنا من أمّة على شكل نايٍ ... هي دوما حبلى بمليون شاعر
كلُّ أطفالنا يقولون شعرا ... والعصافير والربى والبيادر
مابنا حاجةٌ لمليون ديكٍ ... نحن في حاجة لمليون ثائر
تطلق الأرض شاعرا كل قرنٍ ... لا تباع الأشعار مثل السجائر
هل سعدنا بشعرنا أم شقينا ... أم غفينا على رنين القياثر ؟
فانتصرنا يوما ببحرٍ طويلٍ ... وانهزمنا يوما ببحر الوافر
*****************
أنا في الشعر قاتلٌ أو قتيلٌ ... ماهو الشعر عندما لا يغامر ؟
مهنتي أنأغيّر الكون بالشعر ... وفي ليلهِ أضيء المنائر
مهنتي أن أعمّر الأرض عشقا ... وأغنّي لكل ظبيٍ نافر
مهنتي أن أقول مالم تقولوا ... وضميري يقول كلَّ الضمائر
المواويل في دمائي تجري ... فإلى أين من دمي سأهاجر ؟
إنني أنزف الحقيقة نزفا ... مثلما تنزف الدموعَ المحاجر
أكلتني حرائقُ الشعر حتى ... قيل عني مهرّجٌ أو ساحر
فاعذروني إذا نزفتُ بروقا ... يكتبُ الحرُّ رأيه بالأظافر
للمليحات كل حبي وشعري ... فلقد كنّ في حياتي الأزاهر
إنّ فضل النساء فضلٌ عظيمٌ ... فأنا دونهنّ طفلٌ قاصر
إنني دائخٌ أمام الجميلات ... فثغرٌ يأتي وخصرٌ يسافر
رُبّ نهدٍ غسلته بدموعي ... فتشظى كعلبةٍ للجواهر
الحضاراتُ كلها شُغلُ أنثى ... والثقافاتُ من رنين الأساور
تزرعُ المرأةُ السنابلََ والوردَ ... ويبقى كلُّ الرجال عشائر
نزار قباني ولد في الربيع ورحل في الربيع .. والإله ( تمّوز) في الأساطير لايموت بل ينام في أعماق الأرض ويستيقظ كل عام في موسم الربيع !!