مالك الحزين
04-05-2014, 01:41 PM
.
عندما درسنا في المدارس عن أدب المهجر كان الشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي المبرز بينهم ، والمقدم عليهم ، وكانت قصائده تلاحقنا على مدى سنوات الدراسة الثانوية ، ومن منا لا يذكر قصائده في الأمل الجميل والغد السعيد ، وحضه على استكشاف السعادة الداخلية في الإنسان :
كم تشتكي وتقول إنك معدم ** والأرض ملكك والسما والأنجمُ
ولك الحقول وزهرها ونخيلها ** ونسيمها والبلبل المترنم
والماء حولك فضة رقراقة ** والشمس فوقك عسجد يتضرم
والنور يبني في السفوح وفي الذرا ** دورا مزخرفة وحينا يهدم
هشت لك الدنيا فما لك واجما؟ ** وتبسمت فعلام لا تتبسم؟
إن كنت مكتئبا لعز قد مضى ** هيهات يرجعه اليك تندُم
أو كنت تشفق من حلول مصيبة ** هيهات يمنع أن تحل تجهم
أو كنت جاوزت الشباب فلا تقل ** شاخ الزمان فإنه لا يهرم
انظر فما زالت تطل من الثرى ** صور تكاد لحسنها تتكلم
وكثيرون يحفظون له هذا الشوق للوطن :
وطنَ النجومِ أنا هنا ** حدّق أتذكر من أنا ؟
أنا ذلك الولد الذي ** دنياه كانت ههنا
أنا من مياهك قطرة ** فاضت جداول من سنا
أنا من ترابك ذرّة ** ماجت مواكب من منى
أنا من طيورك بلبل ** غنّى بمجدك فاغتنى
حمل الطّلاقة والبشاشة ** من ربوعك للدّنى
كم عانقت روحي رباك ** وصفّقت في المنحنى ؟
فيذوب في حدق المهى ** سحرا لطيفا ليّنا
عاش الجمال مشرّدا ** في الأرض ينشد مسكنا
حتّى انكشفت له فألقى ** رحلة و توطّنا
واستعرض الفنّ الجبال ** فكنت أنت الأحسنا
زعموا سلوتــُك ... ليتهم ** نسبوا إليّ الممكنا
فالمرء قد ينسى المسيءَ ** المفتري ، و المحسنا
و الخمرَ ، و الحسناءَ ** والوترَ المرنحََ ، و الغنا
و مرارةَ الفقر المذلّ ** بل ولذّاتَ الغنى
لكنّه مهما سلا ** هيهات يسلو الموطنا
لكنني تفاجأتُ وأنا أقرأ له قريبا أنه قال قصيدة في الجنرال الإنجليزي ألانبي الذي احتل مدينة القدس عام 1917 يقال مثلها في عمر أو قطز أو محمد الفاتح ، وقد عّرض بقبر صلاح الدين في تلك القصيدة ولا اعلم هل وقف الجنرال ألانبي على قبره مثلما فعل نظيره الفرنسي غورو !
يقول إليا أبو ماضي :
ألانبي لو طبعنا الشّمس يوماً ** وقلّدناكها سيفاً صفيحا
ورصّعناه بالشُّهب الدّراري ** لما زدناك فخراً أو مديحا
لأنّك أشجع الأبطال طراً ** وأعظم قادة الدّنيا فتوحا
إذا ما مرّ ذكرك بين قوم ** رأيت أشدهم عيّاً فصيحا
فكم داويت سورياً مريضاً ** وكم أسقمت تركياً صحيحا
وكم قد صنت في بيروت عرضاً ** وكم أمنت في الشهباء روحا
غضبت على " الهلال " فخر ذعراً ** ولحت له فحاذر أن يلوحا
عصفت بهم فأمسى كل حصن ** لخيل النصر ميداناً فسيحا
مشت بك همة فوق الثريا ** فزلزلت المعاقل والصروحا
من الوادي إلى صحراء سينا ** إلى أن زرت ذيّاك الضريحا
إلى بحر الجليل إلى دمشق ** تطارد دونك التركي القبيحا
فكان الجند كلهم يشوعاً ** وكانت كل سورية " أريحا "
فإن يكن المسيحُ فدى البرايا ** فإنك أنت أنقذت المسيحا !
وأنا أقول ربما قال الشاعر ما قاله في مرحلة كان العربي المسلم يكره الأتراك كما يكره العمى ، فكيف بالنصارى ، وربما أراد بالهلال في القصيدة أن يشير إلى دولة الأتراك وليس إلى الإسلام كما يتبادر إلى الذهن أول مرة .
ولو صدق الظن فليس من حقه ان يفرح باحتلال أرض عربية ، ومقتل الكثير من أهلها ، وقد يكون فعلا فرح بمقدم النصارى حينئذٍ وخاصة ان الجنرال ألانبي قال بعد دخوله القدس :
اليوم انتهت الحملات الصليبية .
كل هذا وارد ، ولكن الاكيد أن إيليا أبو ماضي لم يكن كذلك على طول الخط ، فقد قال بعدها الأشعار في محاربة الفرنسي المحتل ، وقال شعرا ثوريا يُحفظُ إلى الآن :
ما كانَ أَحوَجَ سورِيّا إِلى بَطَلٍ ** يَرُدُّ بِالسَيفِ عَنها كُلَّ مُفتَرِس
وَلا يَزالُ بِها وَالسَيفُ في يَدِهِ ** حَتّى يُطَهِّرُها مِن كُلِّ ذي دَنِسِ
وَيَجعَلُ الحُبَّ دينَ القاطنينَ بِها ** دينٌ يُقَرِّبُ بَينَ البَيتِ وَالقُدُسِ
حَتّى أَرى ضارِبَ الناقوسِ يُطرِبُهُ ** صَوتُ الأُذَينِ وَهَذا رَنَّةُ الجَرَسِ
عندما درسنا في المدارس عن أدب المهجر كان الشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي المبرز بينهم ، والمقدم عليهم ، وكانت قصائده تلاحقنا على مدى سنوات الدراسة الثانوية ، ومن منا لا يذكر قصائده في الأمل الجميل والغد السعيد ، وحضه على استكشاف السعادة الداخلية في الإنسان :
كم تشتكي وتقول إنك معدم ** والأرض ملكك والسما والأنجمُ
ولك الحقول وزهرها ونخيلها ** ونسيمها والبلبل المترنم
والماء حولك فضة رقراقة ** والشمس فوقك عسجد يتضرم
والنور يبني في السفوح وفي الذرا ** دورا مزخرفة وحينا يهدم
هشت لك الدنيا فما لك واجما؟ ** وتبسمت فعلام لا تتبسم؟
إن كنت مكتئبا لعز قد مضى ** هيهات يرجعه اليك تندُم
أو كنت تشفق من حلول مصيبة ** هيهات يمنع أن تحل تجهم
أو كنت جاوزت الشباب فلا تقل ** شاخ الزمان فإنه لا يهرم
انظر فما زالت تطل من الثرى ** صور تكاد لحسنها تتكلم
وكثيرون يحفظون له هذا الشوق للوطن :
وطنَ النجومِ أنا هنا ** حدّق أتذكر من أنا ؟
أنا ذلك الولد الذي ** دنياه كانت ههنا
أنا من مياهك قطرة ** فاضت جداول من سنا
أنا من ترابك ذرّة ** ماجت مواكب من منى
أنا من طيورك بلبل ** غنّى بمجدك فاغتنى
حمل الطّلاقة والبشاشة ** من ربوعك للدّنى
كم عانقت روحي رباك ** وصفّقت في المنحنى ؟
فيذوب في حدق المهى ** سحرا لطيفا ليّنا
عاش الجمال مشرّدا ** في الأرض ينشد مسكنا
حتّى انكشفت له فألقى ** رحلة و توطّنا
واستعرض الفنّ الجبال ** فكنت أنت الأحسنا
زعموا سلوتــُك ... ليتهم ** نسبوا إليّ الممكنا
فالمرء قد ينسى المسيءَ ** المفتري ، و المحسنا
و الخمرَ ، و الحسناءَ ** والوترَ المرنحََ ، و الغنا
و مرارةَ الفقر المذلّ ** بل ولذّاتَ الغنى
لكنّه مهما سلا ** هيهات يسلو الموطنا
لكنني تفاجأتُ وأنا أقرأ له قريبا أنه قال قصيدة في الجنرال الإنجليزي ألانبي الذي احتل مدينة القدس عام 1917 يقال مثلها في عمر أو قطز أو محمد الفاتح ، وقد عّرض بقبر صلاح الدين في تلك القصيدة ولا اعلم هل وقف الجنرال ألانبي على قبره مثلما فعل نظيره الفرنسي غورو !
يقول إليا أبو ماضي :
ألانبي لو طبعنا الشّمس يوماً ** وقلّدناكها سيفاً صفيحا
ورصّعناه بالشُّهب الدّراري ** لما زدناك فخراً أو مديحا
لأنّك أشجع الأبطال طراً ** وأعظم قادة الدّنيا فتوحا
إذا ما مرّ ذكرك بين قوم ** رأيت أشدهم عيّاً فصيحا
فكم داويت سورياً مريضاً ** وكم أسقمت تركياً صحيحا
وكم قد صنت في بيروت عرضاً ** وكم أمنت في الشهباء روحا
غضبت على " الهلال " فخر ذعراً ** ولحت له فحاذر أن يلوحا
عصفت بهم فأمسى كل حصن ** لخيل النصر ميداناً فسيحا
مشت بك همة فوق الثريا ** فزلزلت المعاقل والصروحا
من الوادي إلى صحراء سينا ** إلى أن زرت ذيّاك الضريحا
إلى بحر الجليل إلى دمشق ** تطارد دونك التركي القبيحا
فكان الجند كلهم يشوعاً ** وكانت كل سورية " أريحا "
فإن يكن المسيحُ فدى البرايا ** فإنك أنت أنقذت المسيحا !
وأنا أقول ربما قال الشاعر ما قاله في مرحلة كان العربي المسلم يكره الأتراك كما يكره العمى ، فكيف بالنصارى ، وربما أراد بالهلال في القصيدة أن يشير إلى دولة الأتراك وليس إلى الإسلام كما يتبادر إلى الذهن أول مرة .
ولو صدق الظن فليس من حقه ان يفرح باحتلال أرض عربية ، ومقتل الكثير من أهلها ، وقد يكون فعلا فرح بمقدم النصارى حينئذٍ وخاصة ان الجنرال ألانبي قال بعد دخوله القدس :
اليوم انتهت الحملات الصليبية .
كل هذا وارد ، ولكن الاكيد أن إيليا أبو ماضي لم يكن كذلك على طول الخط ، فقد قال بعدها الأشعار في محاربة الفرنسي المحتل ، وقال شعرا ثوريا يُحفظُ إلى الآن :
ما كانَ أَحوَجَ سورِيّا إِلى بَطَلٍ ** يَرُدُّ بِالسَيفِ عَنها كُلَّ مُفتَرِس
وَلا يَزالُ بِها وَالسَيفُ في يَدِهِ ** حَتّى يُطَهِّرُها مِن كُلِّ ذي دَنِسِ
وَيَجعَلُ الحُبَّ دينَ القاطنينَ بِها ** دينٌ يُقَرِّبُ بَينَ البَيتِ وَالقُدُسِ
حَتّى أَرى ضارِبَ الناقوسِ يُطرِبُهُ ** صَوتُ الأُذَينِ وَهَذا رَنَّةُ الجَرَسِ