عامر العمر
11-12-2013, 10:54 PM
الزعم أن بعض الأحاديث النبوية موحية بدونية المرأة (*)
مضمون الشبهة:
يزعم أدعياء المساواة بين المرأة والرجل أن الشريعة الإسلامية رسخت مبدأ اللامساواة بين الرجل والمرأة، وهبطت بمكانة المرأة إلى مكانة الدونية، ويمثلون لذلك بالأحاديث الآتية:
· حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لجمع من النساء في حديث طويل: «ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن»[1].
· حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يصح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها»[2].
· حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «حبب إلى من الدنيا النساء والطيب» [3].
· عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيرا؛ فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء»[4].
· عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا عدوى ولا طيرة، وإن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس»[5].
· عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر النساء، تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار، فقلن: وبم يا رسول الله؟! قال تكثرن اللعن وتكفرن العشير» [6].
· عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب» [7].
إلى آخر تلك القائمة من الأحاديث الموحية على حد زعمهم بانحطاط منزلة المرأة في الإسلام. وهم فيما زعموه وما استدلوا به لا يبغون أكثر من وصم الإسلام بما ليس فيه من احتقار المرأة حتى يجدوا مسلكهم إليها وينصبوا أنفسهم أوصياء عليها يتحدثون باسمها، وهم في حقيقة أمرهم من ألد أعدائها.
وجوه إبطال الشبهة:
1) للعادات والتقاليد الموروثة المخالفة لتعاليم الدين أثرها البالغ في ترسيخ دونية المرأة، وتأكيد هذا الانطباع، والأشد خطرا من ذلك التفسيرات المغلوطة لبعض المرويات الإسلامية.
2) المناسبة التي ذكر فيها الحديث - الأول - حديث ناقصات عقل ودين - لها دلالتها في توجيه فهمنا له، وتبين أنه خاص بحالة بعينها، وليس إقرارا عاما شاملا لجنس النساء.
3) نقص عقل المرأة سر السعادة بين الزوجين إذا فهمنا معناه في الإسلام فهما صحيحا، وهو - في هذا المقام - أقرب للمدح منه للذم.
4) قلة التكاليف - بالنسبة للمرأة - لا تعني نقص الدين، ولا الحكم المؤبد بنقصان الأهلية؛ فالجنسان في الحقوق والواجبات سواء.
5) أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الموجهة للرجال من شأنها أن تحدث معاد لا موضوعيا مع تلك الموجهة للنساء بحيث تكون المحصلة أن يتسابق الزوجان في البيت المسلم نحو إسعاد بعضهما؛ من فرط الإيثار، والمودة المتبادلة.
6) التصور الهابط لمعنى الحب يبتذل معنى الفضيلة في كلامه - صلى الله عليه وسلم - حين قال «حبب إلى من دنياكم الطيب والنساء».
7) أكثرية أهل النار من النساء اللائي اتصفن بصفات ذميمة وليس للأنوثة في حد ذاتها، ومعاذ الله أن يؤاخذها بما لاذنب لها فيه؛ وإنما المعيار هو الإحسان والإساءة والبر والفجور.
8) ليس العوج - المقصود في الحديث - ضد الاستقامة، وإنما هو قرين شدة الانفعال وسرعة التقلب.
9) الشؤم في الحديث من المرأة التي حصلت منها العداوة والفتنة، ومن الدار الضيقة قليلة المرافق، ومن الدابة المتعبة، وليس الأمر على إطلاقه، والمرأة تقطع الصلاة إذا مرت بين يدي المصلي لما جبلت عليه النفس من الانشغال بها، أما الكلب والحمار فللرهبة والخوف منهما، ولا يفهم منه تساوي الثلاثة الأصناف في المنزلة.
10) ما يزعمونه بعد من مسائل؛ إنما هي مسائل متفرقات تحسب للإسلام لا عليه.
التفصيل:
أولا. للعادات والتقاليد الموروثة أثرها في ترسيخ دونية المرأة:
إن الكرامة التي يقررها الإسلام للمرأة جزء لا يتجزأ من الكرامة التي قررها وأعلن عنها الإسلام لبني آدم أجمعين، وذلك عندما قال الله عز وجل: )ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا (70)( (الإسراء)؛ إذ المرأة والرجل كلاهما من ولد آدم.
ثم إن الإسلام أكد هذه الكرامة القائمة على أساس من الإنسانية المجردة والشاملة لكل من الرجل والمرأة على السواء، وذلك عندما حصنها بحصن التقوى والعمل الصالح، وجعل منها دون غيرها ميزان تفاوت الناس في العلو والمكانة عند الله - عز وجل - وذلك عندما قال الله عز وجل: )يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير (13)( (الحجرات).
فقد ثبت بدلالة واضحة أن الإنسان مكرم - بشطريه الذكر والأنثى - في كتاب الله - عز وجل - ودينه، دون أن يكون للذكورة أو الأنوثة أي دخل في زيادة هذا التكريم أو نقصانه، كما ثبت أن الناس قد يتفاوتون بعد ذلك في هذه الكرامة التي متعهم الله بها، ولكن الباعث على هذا التفاوت شيء واحد، هو تفاوتهم في تعظيم حرمات الله، ومن ثم في الأعمال الصالحة المفيدة للإنسانية.
هذا في الوقت الذي لم يناد المسلمون سليمو العقيدة بدونية المرأة عن الرجل كما نادى بها اليهود والنصارى، ولم يدع مسلم أن: "الرجل والمرأة نقيضان عنيدان" كما أعلن البابا اينو الثامن في "براءة 1484". ولم يناد مسلم: "أن الذكر هو النموذج أو المعيار، وكل امرأة إنما هي رجل معيب" كما قال أرسطو. ولم يصرح مسلم أن: "المرأة أرذل من العبد؛ بدليل أن عبودية العبد ليست فطرية، بينما المرأة مأمورة فطريا من قبل الأب والابن والزوج" كما قال توماس الأكويني، ولم يحقر مسلم المرأة بقوله: "إن المرأة إذا ارتقت بقرة، وقلب المرأة عنده مكمن الشر، وهي لغز يصعب حله، وينصح الرجل بألا ينسى السوط إذا ذهب إلى النساء" كما فعل الفيلسوف نيتشه. ولم يشوه مسلم المرأة بقوله: "إن المرأة مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان، ناقضة لنواميس الله، مشوهة للرجل" كما شوهها القديس ترتوليان.... إلخ، ومثل هذه الآراء في المجتمع الغربي كثير، ذلك المجتمع الذي يزعم أنه يقدر المرأة ويعطيها حقوقها اللازمة لها، ويعطيها ما لم يعطها الإسلام؟!
إن المصدر الحقيقي لهذه الدعوى الباطلة هو العادات والتقاليد الموروثة - سواء من الأديان الأخرى أم من جهل المسلمين بدينهم - والتي تنظر إلى المرأة نظرة دونية، وهي عادات وتقاليد جاهلية حرر الإسلام المرأة منها، ولكنها عادت إلى الحياة الاجتماعية في عصور التراجع الحضاري، مستندة كذلك إلى رصيد التمييز ضد المرأة الذي كانت عليه مجتمعات غير إسلامية دون أن تتخلص تماما من هذه الموروات.
لقد كان الحظ الأوفر في هذا المقام للتفسير الخاطئ الذي ساد وانتشر لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نقص النساء في العقل والدين؛ فقد جاء عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنه قال: «خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أضحى - أو فطر - إلى المصلى فمر على النساء فقال: "يا معشر النساء، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن". قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: "أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل"؟ قلن: بلى. قال: "فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم"؟ قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان دينها»[8].
ذلكم هو الحديث الذي اتخذ تفسيره المغلوط - ولا يزال - غطاء شرعيا للعادات والتقاليد التي تنتقص من أهلية المرأة، وينطلق منه المتغربون وغلاة العلمانيين في دعوتهم إلى إسقاط الإسلام واتهامه بظلم المرأة وانتقاص قدرها وحقها، الأمر الذي يستوجب إنقاذ المرأة من هذه التفسيرات المغلوطة لهذا الحديث، بل إنقاذ هذا الحديث الشريف من هذه التفسيرات.
ثانيا. المناسبة التي ذكر فيها الحديث تبين أنه وصف للواقع وليس تشريعا للثوابت:
إن مناسبة الحديث - حديث ناقصات عقل ودين - ترشح ألفاظه وأوصافه لأن يكون المقصود من ورائها المدح وليس الذم، فالذين يعرفون خلق من قال الله - عز وجل - عنه: )وإنك لعلى خلق عظيم (4)( (القلم)، والذين يعرفون كيف جعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - من العيد - الذي قال فيه هذا الحديث - فرحة أشرك في الاستمتاع بها مع الرجال كل النساء، حتى الصغيرات، بل حتى الحائض والنفساء - الذين يعرفون صاحب هذا الخلق العظيم، ويعرفون رفقه بالقوارير ووصاياه بهن حتى وهو على فراش الموت يودع هذه الدنيا... لا يمكن أن يتصوروه - صلى الله عليه وسلم - ذلك الذي يختار يوم الزينة والفرحة ليجابه كل النساء بالذم والتقريع والحكم المؤبد عليهن بنقصان الأهلية لنقصانهن في العقول والدين.
وإذا كانت المناسبة يوم العيد والزينة والفرحة لا ترشح أن يكون الذم والغم والحزن والتبكيت هو المقصود، فإن ألفاظ الحديث تشهد على أن المقصود إنما كان المديح الذي يستخدم وصف الواقع الذي تشترك في التحلي بصفاته غالبية النساء إن لم تكن النساء كلهن.
الفرق بين التشريع للواقع والتشريع للثوابت:
إن الحديث يخاطب حالة خاصة من النساء، ولا يشرع شريعة دائمة ولا عامة في مطلق النساء، فهو يتحدث عن واقع، والحديث عن الواقع القابل للتغيير شيء، والتشريع للثوابت - عبادات وقيما ومعاملات - شيء آخر، فعندما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب». [9]فهو يصف واقعا ولا يشرع لتأييد الجهل بالكتابة والحساب؛ لأن هذا مناقض لما جاء به من القرآن الذي بدأ أول ما بدأ نزوله بالأمر بالقراءة؛ فقال عز وجل: )اقرأ باسم ربك الذي خلق (1) خلق الإنسان من علق (2) اقرأ وربك الأكرم (3) الذي علم بالقلم (4) علم الإنسان ما لم يعلم (5)( (العلق)، ولأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي وصف واقع الأمية الكتابية والحسابية، هو الذي غير هذا الواقع، بتحويل البدو الجهلاء الأميين إلى قراء وعلماء وفقهاء، وذلك امتثالا لأمر ربه في القرآن الكريم، الذي علمنا السنين والحساب، فقال الله عز وجل: )هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون (5)( (يونس).
فوصف الواقع كما تقول الآن مثلا: "نحن مجتمعات متخلفة". لا يعني تأييد الواقع بأي حال من الأحوال، وهو نفس الواقع الذي وصفه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حديثه عن رؤية معظم أهل النار من النساء؛ ففي رواية ابن عباس - رضي الله عنهما - ما يقطع بأن المقصود إنما هي حالات خاصة لنساء لهن صفات خاصة هي التي جعلت منهن أكثر أهل النار، وذلك لأنهن كما تنص وتعلل هذه الرواية: «يكفرن العشير».
ولو أحسن هذا العشير إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منه هنة أو شيئا لا يعجبها، كفرت بكل النعم التي أنعم عليها بها، بل قالت بسبب غلبة العاطفة التي تنسيها ما قدمه لها:«ما رأيت منك خيرا قط» [10].
فهذا الحديث إذن وصف لحالة بعينها وخاص بهذه الحالة، وليس تشريعا عاما دائما لجنس النساء.
ثالثا. نقص عقل المرأة سر السعادة بين الزوجين:
إن من أوضح ما يدل عليه سياق الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجه إلى النساء كلامه هذا على وجه المباسطة التي يعرفها ويمارسها كل منا في المناسبات، وليس أدل على ذلك من أنه جعل الحديث عن نقصان عقولهن توطئة وتمهيدا لما يناقض ذلك من القدرة التي أوتينها، وهي سلب عقول الرجال والذهاب بلب الأشداء من أولي العزيمة والكلمة النافذة منهم، فهو كما يقول أحدنا لصاحبه: قصير ويأتي منك كل هذا الذي يعجز عنه الآخرون!
إذن فالحديث لا يركز على قصد الانتقاص من المرأة، بمقدار ما يركز على التعجب من قوة سلطانها على الرجال.
ولنتساءل بعد هذا: أصحيح ما يقوله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم لا؟ بقطع النظر عما يركز عليه الحديث، وبقطع النظر عما يدل عليه السياق.
إن الدارس لمبادئ علم النفس، وعلم النفس التربوي ليعلم أن المرأة أقوى عاطفة من الرجل، وأضعف تفكيرا منه، وأن الرجل أقوى تفكيرا من المرأة وأضعف عاطفة منها، ويعلم أن هذا التقابل التكاملي بينهما، هو: سر سعادة كل من الرجل والمرأة بالآخر، ولو كانت المرأة كالرجل في الصبر على القضايا الفكرية المعمقة والفقر العاطفي، لشقى بها الرجل وتبرم بالحياة معها، ووجد سعادته في الابتعاد عنها.
ولو كان الرجل كالمرأة في رقتها العاطفية وتأثراتها الوجدانية وضعفها الفكري، لشقيت به المرأة، ولما رأت فيه الحماية التي تنشدها والرعاية التي تبحث عنها، ولما صبرت على العيش معه بحال؛ إذن فهي حكمة ربانية لا بد منها، لكي يعثر كل من الرجل والمرأة في الشخص الآخر على ما يتمم نقصه، ومن ثم يجد فيه ما يشده إليه، والحصيلة تنطق بالمساواة الدقيقة بينهما.
وقد نجد في الرجال من يتصفون بالعاطفة المشبوبة والمشاعر الرقيقة والضجر من القضايا الفكرية العويصة، فيعد ذلك عند العلماء شذوذا في الرجال. وقد ترى مظهر هذا الشذوذ في النساء، فتبصر فتاة لا يسعدها إلا معالجات القضايا الفلسفية والبحث في المسائل الفكرية المعقدة، وتجدها في الوقت ذاته راكدة العواطف هامدة الوجدان، فلا يرى العلماء ذلك فيها إلا شذوذا مخالفا للقاعدة والأصل.
ثم إنك إن تأملت كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأيته يربط بين أمرين في شخص المرأة وحياتها، تقوم بينهما جدلية هي في الحقيقة مصدر سعادة المرأة بالرجل ومصدر سعادة الرجل بها؛ فهو يصفها بضعف التفكير، ثم يصفها في الوقت ذاته بالسيطرة على الرجل والقدرة على التحكم به.
الشرح التحليلي لذلك:
إن المرأة تبحث دائما في الرجل عن شريك جنسي لها، وعن حماية ورعاية لها في كنفه، وهذا يقتضي أن تكون أضعف منه، وهو ذاته الشرط الذي لا بد منه ليجعلها تهيمن عليه.
إنها ليست معادلة صعبة أن تفهم بأن سلاح المرأة إنما يكمن في ضعفها، وأن سلطانها على الرجل إنما يكمن في احتمائها به، واحتياجها إليه إنما يتمثل في أن يكون أقوى بدنيا، وأقدر منها فكريا.
وإليك ما تقول الكاتبة الألمانية إستر فيلار في كتابها المعمق والطريف "حق الرجل في التزوج بأكثر من واحدة"؛ فهي تؤكد في أكثر من موضع في كتابها أن المرأة لا تركن إلا إلى الرجل الذي هو أحد منها ذكاء، وقد تبدو إلى جانبه كغبية ساذجة؛ إذ إنه شرط لا بد منه لاحتمائها به، وهي تبحث في الرجل عن الرعاية والحماية قبل البحث عن الجنس، فهي تقول: "بالنسبة للنساء فبإمكانهن بسط سلطتهن على الرجال، وذلك بالتحكم في غرائزهم الجنسية مما يجعل الرجال تابعين لهن، وبما أن النساء في أغلب الأحيان هن أضعف جسميا وفكريا من الرجال، فإنهن يستطعن إضافة إلى إمكانية إمتاعهم جنسيا أن يلفتن انتباه الرجال إليهن بمثابتهن موضع رعاية".
وتقول: "فقط، عندما تكون المرأة أضعف من الرجل، ثم بالإضافة إلى ذلك أغبى منه، فإنها تصبح بالنسبة لهذا الأخير طرفا مغريا جذابا". وتمضي فتؤكد هذه الحقيقة على ألسنة النساء قائلة: "والمعروف في النساء قولهن: إن الرجل الذي أبتغيه هو ذاك الذي باستطاعته أن يكون قادرا على حمايتي، وهو لا يقدر على ذلك إلا إذا كان أطول قامة وأقوى بنية وأشد ذكاء مني". وتقول: "إن الرجل الذي أبتغيه هو ذاك الذي أستظل بقامته وأرفع عيني لمشاهدة وجهه".
ومما هو ثابت علميا ومؤكد بشهادة النساء أنفسهن، أن المرأة أضعف من الرجل جسميا وأقل منه ذكاء، وأنها لا تضيق بذلك، وإنما تراه مظهرا لضعفها النسوي الذي هو في الواقع رأس مالها الذي تستخدمه في السيطرة على الرجل، في الوقت الذي تجعل منه راعيا لها. فهل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - بطريقة المباسطة - أقل أو أكثر من هذا الكلام؟
إن العجيب أن الذين يتبرمون بالإسلام، ويمارسون حرية هابطة مكشوفة في التقول عليه، يجلجلون بهذا الحديث في الأوساط الاجتماعية وربما في الأوساط النسائية خاصة، ويطيلون ألسنتهم بالنقد عليه، حتى إذا رأوا ما يقول كتاب علم النفس، ووقفوا على ما يقوله أمثال هذه الكاتبة، ألجموا ألسنتهم عن النقد وأصغوا إليه بالاحترام والقبول، إن لم نقل بالاستسلام والتقديس.
رابعا. قلة التكاليف - بالنسبة للمرأة - لا تعني نقص الدين:
قد فهمنا وجه التفاوت بين ذكاء المرأة والرجل، فما وجه ذلك بالنسبة للدين؟
وما الذي قضى بأن تكون المرأة ناقصة دين، وما الموجب لذلك، وما الخيار الذي يمكن أن تتحمل المرأة مسؤوليته في هذا الأمر؟
والجواب: أن نقص الدين قد يطلق ويراد به قلة التكاليف السلوكية لسبب ما، ولا شك أنها ليست مسئولية المكلف، أيا كان السبب، وقد يطلق ويراد به التهاون أو التقصير الذي يتلبس به المكلف بمسئوليته وباختيار منه.
فالطفل أو المراهق الذي لم يبلغ سن البلوغ، يوصف بأنه ناقص الدين، ولا يعني أنه يتحمل جريرة أي تقصير أو تهاون فيه، بل ربما كان كثير القيام بالواجبات والفرائض والنوافل سريعا إليها نشيطا في أدائها، أحسن من كثير من الرجال البالغين، غير أنه يوصف مع ذلك بأنه ناقص دين، نظرا إلى أنه لم يكلف بعد بشيء من مبادئه وأحكامه، فهو يوصف بنقصان الدين في المعنى الأول.
والإنسان المتهاون بأوامر الله وأحكامه، المستهتر بحدوده، يوصف أيضا بنقصان الدين. ولكنه هنا يعني التقصير في الالتزام بمبادئ الدين بعزم منه واختيار، فهو يتحمل جريرة تقصيره والمسئولية المترتبة على نقصان دينه، فهو يوصف بنقصان الدين بالمعنى الثاني.
إذا تبين هذا فإن الوصف الذي وصف به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المرأة من النقصان في الدين، إنما يصدق بالمعنى الأول - قلة التكاليف - فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يعني أن المرأة خفف الله عنها بعض التكاليف الدينية، وأسقطها عنها، فهي لا تكلف بالصلاة أثناء المحيض كما لا تكلف بها أثناء النفاس، ولا تكلف بقضاء شيء منها بعد ذلك، كما أسقط عنها تلاوة القرآن ذاتها، ولكن دون أن ينقص شيء من أجرها بسبب ذلك؛ إذ إن الأمر ليس عائدا إلى تقصير منها ولكنه عائد إلى تخفيف من الله عنها، والمرأة توصف في هذه الحال بأنها ناقصة دين، أي ناقصة التكاليف الدينية، ومعاذ الله أن يكون المعنى أنها مقصرة في دينها؛ إذ ليس لها أي اختيار في أمر فرضه الله عليها.
ومن أوضح الأدلة على ذلك:
أن البيان الإلهي قرر في أكثر من موضع من كتاب الله - عز وجل - أن أجر الرجل والمرأة الملتزمين بدين الله سواء، لا يعلو الرجل على المرأة ولا العكس؛ ومن ذلك قوله عز وجل: )ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا (124)( (النساء).
فإن قلت: كلام الله مشروط بالعمل الصالح، والمرأة ممنوعة في المحيض والنفاس من أهم الأعمال الصالحة وهي الصلاة، فلم يتحقق الشرط الذي أنيط به الأجر لكل من الرجل والمرأة.
فالجواب: أن الاستجابة لأوامر الله سعيا لمرضاته، هي مصدر الأجر والثواب، والاستجابة كما تكون بالأفعال الإيجابية، تكون أيضا بالالتزامات السلبية، والله - عز وجل - يحب أن تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه.
فالمرأة التي كلفها الله - عز وجل - بعدم القيام إلى الصلاة مدة الحيض، لا شك أنها تثاب على النهوض بهذا التكليف، ما دام قصدها الاستجابة لأمر الله - عز وجل - فإحجامها عن الصلاة في هذه المدة كقيام الآخرين إلى الصلاة في المدة ذاتها، كلاهما مصدر مثوبة وأجر ما دام كل منهما مندفعا إلى اتخاذ الموقف الذي كلف به، تحقيقا لأمر الله.
وكم من امرأة تجد نفسها متشوقة إلى أن تحضر صلاة التراويح في رمضان، وتعاني في نفسها ظمأ شديدا إلى ذلك، ولكنها تحجم عن هذا الذي هي متلهفة إليه تجنبا لسخط الله وانقيادا لأمره واحتسابا لوجهه، ولها على ذلك من الأجر ما لايعلمه إلا الله عز وجل. وإلا فما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» [11]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم».[12] إذن فقد وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المرأة بواقع، لا تبعة عليها فيه وليس فيه أية منقصة لها أو مسؤولية عليها [13].
وهل يعقل عاقل وهل يجوز في أي منطق أن يعهد الإسلام وتعهد الفطرة الإلهية بأهم الصناعات الإنسانية والاجتماعية - صناعة الإنسان ورعاية الأسرة، وصناعة مستقبل الأمة - إلى ناقصات العقل والدين، بهذا المعنى السلبي الذي لم يقصده الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - الذي حرر المرأة تحريره للرجل، عندما بعثه الله بالحياة والإحياء لمطلق الإنسان، كما قال رب العزة: )يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون (24)( (الأنفال)، فوضع بهذا الإحياء عن الناس - كل الناس - ما كانوا قد حملوا من الآصار والأغلال.
إنها تفسيرات مغلوطة حاول بها أسرى العادات والتقاليد إضفاء الشريعة الدينية على هذه العادات والتقاليد التي لا علاقة لها بالإسلام، والتي يبرأ منها هذا الحديث النبوي الشريف.
وإذا كان لنا أن نزكي المنطق الإسلامي الذي صوبنا به معنى الحديث النبوي الشريف، وخاصة بالنسبة للذين لا يطمئنون إلى المنطق إلا إذا زكته ودعمته النصوص، فإننا نذكر بكلمات ابن القيم حيث يقول: "إن المرأة العدل كالرجل في الصدق والأمانة والديانة"، وبكلمات الإمام محمد عبده التي تقول: "إن حقوق الرجل والمرأة متبادلة، وإنهما أكفاء... وهما متماثلان في الحقوق والأعمال، كما أنهما متماثلان في الذات والإحساس والشعور والعقل، أي أن كلا منهما بشر تام له عقل يتفكر في مصالحه، وقلب يحب ما يلائمه ويسر به، ويكره ما لايلائمه وينفر منه[14].
وقد أسهب في إيضاح الفهم الصحيح لهذا الحديث، واستشفاف دلالاته الصائبة وتبيان المقاصد النبوية فيه، الأستاذ عبد الحليم أبو شقة، ومما جاء في كلامه: "سنعرض لهذا الحديث من ثلاث زوايا:
الأولى: الدلالة العامة لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن» [15].
إن النص يحتاج إلى دراسة وتأمل، سواء من ناحية المناسبة التي قيل فيها، أو من ناحية من وجه إليهن الخطاب، أو من حيث الصياغة التي صيغ بها الخطاب... وذلك حتى نتبين دلالته على معالم شخصية المرأة؛ فمن ناحية المناسبة، فقد قيل النص خلال عظة للنساء في يوم عيد، فهل نتوقع من الرسول الكريم صاحب الخلق العظيم أن يغض من شأن النساء أو يحط من كرامتهن أو ينتقص من شخصيتهن في هذه المناسبة البهيجة؟!! ومن ناحية من وجه إليه الخطاب فقد كن جماعة من نساء المدينة، وأغلبهن من الأنصار اللاتي قال فيهن عمر بن الخطاب: "فلما قدمنا على الأنصار إذا قوم تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار"؛ وهذا يوضح لماذا قال الرسول الكريم: "ما رأيت أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن".
أما من حيث صياغة النص فليست صيغة تقرير - قاعدة عامة أو حكم عام -، وإنما هي أقرب إلى التعبير عن تعجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من التناقض القائم في ظاهرة تغلب النساء - وفيهن ضعف - على الرجال ذوي الحزم، أي التعجب من حكمة الله! كيف وضع القوة حيث مظنة الضعف وأخرج الضعف من مظنة القوة؟! لذلك نتساءل هل تحمل الصياغة معنى من معاني الملاطفة العامة للنساء خلال العظة النبوية؟ وهل تحمل تمهيدا لطيفا لفقرة من فقرات العظة، وكأنها تقول: أيتها النساء، إذا كان الله قد منحكن القدرة على الذهاب بلب الرجل الحازم برغم ضعفكن، فاتقين الله ولا تستعملنها إلا في الخير والمعروف.
وهكذا كانت كلمة "ناقصات عقل ودين" إنما جاءت مرة واحدة، وفي مجال إثارة الانتباه والتمهيد اللطيف لعظة خاصة بالنساء، ولم تجئ قط مستقلة في صيغة تقريرية سواء أمام النساء أو أمام الرجال.
الثانية: هي الدلالة الخاصة لقوله صلى الله عليه وسلم: "ناقصات عقل".
هناك عدة احتمالات للنقص العقلي مثل:
o نقص فطري عام، أي في متوسط الذكاء.
o نقص فطري نوعي، أي في بعض القدرات العقلية الخاصة، مثل: الاستدلال الحسابي والتخيل والإدراك.
o نقص عرضي نوعي قصير الأجل، وهذا يطرأ على الفطرة مؤقتا نتيجة ظرف عارض، مثل: دورة الحيض أو فترة النفاس أو بعض فترات الحمل.
o نقص عرضي نوعي طويل الأجل، وهذا يطرأ على الفطرة نتيجة ظروف معيشية خاصة؛ كالانشغال بالحمل والولادة والرضاعة والحضانة، هذا مع الانحصار بين جدران البيت، لا تكاد تغادره، والانقطاع تماما عن العالم الخارجي مما يؤدي إلى ضمور الوعي بمجالات الحياة وضعف الإدراك لقضايا المال وغيرها.
إن المثال الذي ضربه الرسول الكريم للنساء على نقص العقل يساعد على ترجيح النقص النوعي سواء أكان فطريا أم عرضيا، وأيا كان مجال النقص فهو لا يخدش قواها العقلية وقدرتها على تحمل جميع مسئولياتها الأساسية المنوطة بها وحدها دون زوجها، ومن هذه المسئوليات ما تختص به وهو حضانة الأطفال، وهذه ما كان الله ليسندها إلا لإنسان سوي، وما كان لنا نحن الرجال أن نأمن على أبنائنا وبناتنا في كنف إنسان عاجز مختل العقل والدين!!
يتبـــــــع الموضوع
مضمون الشبهة:
يزعم أدعياء المساواة بين المرأة والرجل أن الشريعة الإسلامية رسخت مبدأ اللامساواة بين الرجل والمرأة، وهبطت بمكانة المرأة إلى مكانة الدونية، ويمثلون لذلك بالأحاديث الآتية:
· حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لجمع من النساء في حديث طويل: «ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن»[1].
· حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يصح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها»[2].
· حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «حبب إلى من الدنيا النساء والطيب» [3].
· عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيرا؛ فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء»[4].
· عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا عدوى ولا طيرة، وإن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس»[5].
· عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر النساء، تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار، فقلن: وبم يا رسول الله؟! قال تكثرن اللعن وتكفرن العشير» [6].
· عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب» [7].
إلى آخر تلك القائمة من الأحاديث الموحية على حد زعمهم بانحطاط منزلة المرأة في الإسلام. وهم فيما زعموه وما استدلوا به لا يبغون أكثر من وصم الإسلام بما ليس فيه من احتقار المرأة حتى يجدوا مسلكهم إليها وينصبوا أنفسهم أوصياء عليها يتحدثون باسمها، وهم في حقيقة أمرهم من ألد أعدائها.
وجوه إبطال الشبهة:
1) للعادات والتقاليد الموروثة المخالفة لتعاليم الدين أثرها البالغ في ترسيخ دونية المرأة، وتأكيد هذا الانطباع، والأشد خطرا من ذلك التفسيرات المغلوطة لبعض المرويات الإسلامية.
2) المناسبة التي ذكر فيها الحديث - الأول - حديث ناقصات عقل ودين - لها دلالتها في توجيه فهمنا له، وتبين أنه خاص بحالة بعينها، وليس إقرارا عاما شاملا لجنس النساء.
3) نقص عقل المرأة سر السعادة بين الزوجين إذا فهمنا معناه في الإسلام فهما صحيحا، وهو - في هذا المقام - أقرب للمدح منه للذم.
4) قلة التكاليف - بالنسبة للمرأة - لا تعني نقص الدين، ولا الحكم المؤبد بنقصان الأهلية؛ فالجنسان في الحقوق والواجبات سواء.
5) أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الموجهة للرجال من شأنها أن تحدث معاد لا موضوعيا مع تلك الموجهة للنساء بحيث تكون المحصلة أن يتسابق الزوجان في البيت المسلم نحو إسعاد بعضهما؛ من فرط الإيثار، والمودة المتبادلة.
6) التصور الهابط لمعنى الحب يبتذل معنى الفضيلة في كلامه - صلى الله عليه وسلم - حين قال «حبب إلى من دنياكم الطيب والنساء».
7) أكثرية أهل النار من النساء اللائي اتصفن بصفات ذميمة وليس للأنوثة في حد ذاتها، ومعاذ الله أن يؤاخذها بما لاذنب لها فيه؛ وإنما المعيار هو الإحسان والإساءة والبر والفجور.
8) ليس العوج - المقصود في الحديث - ضد الاستقامة، وإنما هو قرين شدة الانفعال وسرعة التقلب.
9) الشؤم في الحديث من المرأة التي حصلت منها العداوة والفتنة، ومن الدار الضيقة قليلة المرافق، ومن الدابة المتعبة، وليس الأمر على إطلاقه، والمرأة تقطع الصلاة إذا مرت بين يدي المصلي لما جبلت عليه النفس من الانشغال بها، أما الكلب والحمار فللرهبة والخوف منهما، ولا يفهم منه تساوي الثلاثة الأصناف في المنزلة.
10) ما يزعمونه بعد من مسائل؛ إنما هي مسائل متفرقات تحسب للإسلام لا عليه.
التفصيل:
أولا. للعادات والتقاليد الموروثة أثرها في ترسيخ دونية المرأة:
إن الكرامة التي يقررها الإسلام للمرأة جزء لا يتجزأ من الكرامة التي قررها وأعلن عنها الإسلام لبني آدم أجمعين، وذلك عندما قال الله عز وجل: )ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا (70)( (الإسراء)؛ إذ المرأة والرجل كلاهما من ولد آدم.
ثم إن الإسلام أكد هذه الكرامة القائمة على أساس من الإنسانية المجردة والشاملة لكل من الرجل والمرأة على السواء، وذلك عندما حصنها بحصن التقوى والعمل الصالح، وجعل منها دون غيرها ميزان تفاوت الناس في العلو والمكانة عند الله - عز وجل - وذلك عندما قال الله عز وجل: )يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير (13)( (الحجرات).
فقد ثبت بدلالة واضحة أن الإنسان مكرم - بشطريه الذكر والأنثى - في كتاب الله - عز وجل - ودينه، دون أن يكون للذكورة أو الأنوثة أي دخل في زيادة هذا التكريم أو نقصانه، كما ثبت أن الناس قد يتفاوتون بعد ذلك في هذه الكرامة التي متعهم الله بها، ولكن الباعث على هذا التفاوت شيء واحد، هو تفاوتهم في تعظيم حرمات الله، ومن ثم في الأعمال الصالحة المفيدة للإنسانية.
هذا في الوقت الذي لم يناد المسلمون سليمو العقيدة بدونية المرأة عن الرجل كما نادى بها اليهود والنصارى، ولم يدع مسلم أن: "الرجل والمرأة نقيضان عنيدان" كما أعلن البابا اينو الثامن في "براءة 1484". ولم يناد مسلم: "أن الذكر هو النموذج أو المعيار، وكل امرأة إنما هي رجل معيب" كما قال أرسطو. ولم يصرح مسلم أن: "المرأة أرذل من العبد؛ بدليل أن عبودية العبد ليست فطرية، بينما المرأة مأمورة فطريا من قبل الأب والابن والزوج" كما قال توماس الأكويني، ولم يحقر مسلم المرأة بقوله: "إن المرأة إذا ارتقت بقرة، وقلب المرأة عنده مكمن الشر، وهي لغز يصعب حله، وينصح الرجل بألا ينسى السوط إذا ذهب إلى النساء" كما فعل الفيلسوف نيتشه. ولم يشوه مسلم المرأة بقوله: "إن المرأة مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان، ناقضة لنواميس الله، مشوهة للرجل" كما شوهها القديس ترتوليان.... إلخ، ومثل هذه الآراء في المجتمع الغربي كثير، ذلك المجتمع الذي يزعم أنه يقدر المرأة ويعطيها حقوقها اللازمة لها، ويعطيها ما لم يعطها الإسلام؟!
إن المصدر الحقيقي لهذه الدعوى الباطلة هو العادات والتقاليد الموروثة - سواء من الأديان الأخرى أم من جهل المسلمين بدينهم - والتي تنظر إلى المرأة نظرة دونية، وهي عادات وتقاليد جاهلية حرر الإسلام المرأة منها، ولكنها عادت إلى الحياة الاجتماعية في عصور التراجع الحضاري، مستندة كذلك إلى رصيد التمييز ضد المرأة الذي كانت عليه مجتمعات غير إسلامية دون أن تتخلص تماما من هذه الموروات.
لقد كان الحظ الأوفر في هذا المقام للتفسير الخاطئ الذي ساد وانتشر لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نقص النساء في العقل والدين؛ فقد جاء عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنه قال: «خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أضحى - أو فطر - إلى المصلى فمر على النساء فقال: "يا معشر النساء، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن". قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: "أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل"؟ قلن: بلى. قال: "فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم"؟ قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان دينها»[8].
ذلكم هو الحديث الذي اتخذ تفسيره المغلوط - ولا يزال - غطاء شرعيا للعادات والتقاليد التي تنتقص من أهلية المرأة، وينطلق منه المتغربون وغلاة العلمانيين في دعوتهم إلى إسقاط الإسلام واتهامه بظلم المرأة وانتقاص قدرها وحقها، الأمر الذي يستوجب إنقاذ المرأة من هذه التفسيرات المغلوطة لهذا الحديث، بل إنقاذ هذا الحديث الشريف من هذه التفسيرات.
ثانيا. المناسبة التي ذكر فيها الحديث تبين أنه وصف للواقع وليس تشريعا للثوابت:
إن مناسبة الحديث - حديث ناقصات عقل ودين - ترشح ألفاظه وأوصافه لأن يكون المقصود من ورائها المدح وليس الذم، فالذين يعرفون خلق من قال الله - عز وجل - عنه: )وإنك لعلى خلق عظيم (4)( (القلم)، والذين يعرفون كيف جعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - من العيد - الذي قال فيه هذا الحديث - فرحة أشرك في الاستمتاع بها مع الرجال كل النساء، حتى الصغيرات، بل حتى الحائض والنفساء - الذين يعرفون صاحب هذا الخلق العظيم، ويعرفون رفقه بالقوارير ووصاياه بهن حتى وهو على فراش الموت يودع هذه الدنيا... لا يمكن أن يتصوروه - صلى الله عليه وسلم - ذلك الذي يختار يوم الزينة والفرحة ليجابه كل النساء بالذم والتقريع والحكم المؤبد عليهن بنقصان الأهلية لنقصانهن في العقول والدين.
وإذا كانت المناسبة يوم العيد والزينة والفرحة لا ترشح أن يكون الذم والغم والحزن والتبكيت هو المقصود، فإن ألفاظ الحديث تشهد على أن المقصود إنما كان المديح الذي يستخدم وصف الواقع الذي تشترك في التحلي بصفاته غالبية النساء إن لم تكن النساء كلهن.
الفرق بين التشريع للواقع والتشريع للثوابت:
إن الحديث يخاطب حالة خاصة من النساء، ولا يشرع شريعة دائمة ولا عامة في مطلق النساء، فهو يتحدث عن واقع، والحديث عن الواقع القابل للتغيير شيء، والتشريع للثوابت - عبادات وقيما ومعاملات - شيء آخر، فعندما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب». [9]فهو يصف واقعا ولا يشرع لتأييد الجهل بالكتابة والحساب؛ لأن هذا مناقض لما جاء به من القرآن الذي بدأ أول ما بدأ نزوله بالأمر بالقراءة؛ فقال عز وجل: )اقرأ باسم ربك الذي خلق (1) خلق الإنسان من علق (2) اقرأ وربك الأكرم (3) الذي علم بالقلم (4) علم الإنسان ما لم يعلم (5)( (العلق)، ولأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي وصف واقع الأمية الكتابية والحسابية، هو الذي غير هذا الواقع، بتحويل البدو الجهلاء الأميين إلى قراء وعلماء وفقهاء، وذلك امتثالا لأمر ربه في القرآن الكريم، الذي علمنا السنين والحساب، فقال الله عز وجل: )هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون (5)( (يونس).
فوصف الواقع كما تقول الآن مثلا: "نحن مجتمعات متخلفة". لا يعني تأييد الواقع بأي حال من الأحوال، وهو نفس الواقع الذي وصفه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حديثه عن رؤية معظم أهل النار من النساء؛ ففي رواية ابن عباس - رضي الله عنهما - ما يقطع بأن المقصود إنما هي حالات خاصة لنساء لهن صفات خاصة هي التي جعلت منهن أكثر أهل النار، وذلك لأنهن كما تنص وتعلل هذه الرواية: «يكفرن العشير».
ولو أحسن هذا العشير إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منه هنة أو شيئا لا يعجبها، كفرت بكل النعم التي أنعم عليها بها، بل قالت بسبب غلبة العاطفة التي تنسيها ما قدمه لها:«ما رأيت منك خيرا قط» [10].
فهذا الحديث إذن وصف لحالة بعينها وخاص بهذه الحالة، وليس تشريعا عاما دائما لجنس النساء.
ثالثا. نقص عقل المرأة سر السعادة بين الزوجين:
إن من أوضح ما يدل عليه سياق الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجه إلى النساء كلامه هذا على وجه المباسطة التي يعرفها ويمارسها كل منا في المناسبات، وليس أدل على ذلك من أنه جعل الحديث عن نقصان عقولهن توطئة وتمهيدا لما يناقض ذلك من القدرة التي أوتينها، وهي سلب عقول الرجال والذهاب بلب الأشداء من أولي العزيمة والكلمة النافذة منهم، فهو كما يقول أحدنا لصاحبه: قصير ويأتي منك كل هذا الذي يعجز عنه الآخرون!
إذن فالحديث لا يركز على قصد الانتقاص من المرأة، بمقدار ما يركز على التعجب من قوة سلطانها على الرجال.
ولنتساءل بعد هذا: أصحيح ما يقوله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم لا؟ بقطع النظر عما يركز عليه الحديث، وبقطع النظر عما يدل عليه السياق.
إن الدارس لمبادئ علم النفس، وعلم النفس التربوي ليعلم أن المرأة أقوى عاطفة من الرجل، وأضعف تفكيرا منه، وأن الرجل أقوى تفكيرا من المرأة وأضعف عاطفة منها، ويعلم أن هذا التقابل التكاملي بينهما، هو: سر سعادة كل من الرجل والمرأة بالآخر، ولو كانت المرأة كالرجل في الصبر على القضايا الفكرية المعمقة والفقر العاطفي، لشقى بها الرجل وتبرم بالحياة معها، ووجد سعادته في الابتعاد عنها.
ولو كان الرجل كالمرأة في رقتها العاطفية وتأثراتها الوجدانية وضعفها الفكري، لشقيت به المرأة، ولما رأت فيه الحماية التي تنشدها والرعاية التي تبحث عنها، ولما صبرت على العيش معه بحال؛ إذن فهي حكمة ربانية لا بد منها، لكي يعثر كل من الرجل والمرأة في الشخص الآخر على ما يتمم نقصه، ومن ثم يجد فيه ما يشده إليه، والحصيلة تنطق بالمساواة الدقيقة بينهما.
وقد نجد في الرجال من يتصفون بالعاطفة المشبوبة والمشاعر الرقيقة والضجر من القضايا الفكرية العويصة، فيعد ذلك عند العلماء شذوذا في الرجال. وقد ترى مظهر هذا الشذوذ في النساء، فتبصر فتاة لا يسعدها إلا معالجات القضايا الفلسفية والبحث في المسائل الفكرية المعقدة، وتجدها في الوقت ذاته راكدة العواطف هامدة الوجدان، فلا يرى العلماء ذلك فيها إلا شذوذا مخالفا للقاعدة والأصل.
ثم إنك إن تأملت كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأيته يربط بين أمرين في شخص المرأة وحياتها، تقوم بينهما جدلية هي في الحقيقة مصدر سعادة المرأة بالرجل ومصدر سعادة الرجل بها؛ فهو يصفها بضعف التفكير، ثم يصفها في الوقت ذاته بالسيطرة على الرجل والقدرة على التحكم به.
الشرح التحليلي لذلك:
إن المرأة تبحث دائما في الرجل عن شريك جنسي لها، وعن حماية ورعاية لها في كنفه، وهذا يقتضي أن تكون أضعف منه، وهو ذاته الشرط الذي لا بد منه ليجعلها تهيمن عليه.
إنها ليست معادلة صعبة أن تفهم بأن سلاح المرأة إنما يكمن في ضعفها، وأن سلطانها على الرجل إنما يكمن في احتمائها به، واحتياجها إليه إنما يتمثل في أن يكون أقوى بدنيا، وأقدر منها فكريا.
وإليك ما تقول الكاتبة الألمانية إستر فيلار في كتابها المعمق والطريف "حق الرجل في التزوج بأكثر من واحدة"؛ فهي تؤكد في أكثر من موضع في كتابها أن المرأة لا تركن إلا إلى الرجل الذي هو أحد منها ذكاء، وقد تبدو إلى جانبه كغبية ساذجة؛ إذ إنه شرط لا بد منه لاحتمائها به، وهي تبحث في الرجل عن الرعاية والحماية قبل البحث عن الجنس، فهي تقول: "بالنسبة للنساء فبإمكانهن بسط سلطتهن على الرجال، وذلك بالتحكم في غرائزهم الجنسية مما يجعل الرجال تابعين لهن، وبما أن النساء في أغلب الأحيان هن أضعف جسميا وفكريا من الرجال، فإنهن يستطعن إضافة إلى إمكانية إمتاعهم جنسيا أن يلفتن انتباه الرجال إليهن بمثابتهن موضع رعاية".
وتقول: "فقط، عندما تكون المرأة أضعف من الرجل، ثم بالإضافة إلى ذلك أغبى منه، فإنها تصبح بالنسبة لهذا الأخير طرفا مغريا جذابا". وتمضي فتؤكد هذه الحقيقة على ألسنة النساء قائلة: "والمعروف في النساء قولهن: إن الرجل الذي أبتغيه هو ذاك الذي باستطاعته أن يكون قادرا على حمايتي، وهو لا يقدر على ذلك إلا إذا كان أطول قامة وأقوى بنية وأشد ذكاء مني". وتقول: "إن الرجل الذي أبتغيه هو ذاك الذي أستظل بقامته وأرفع عيني لمشاهدة وجهه".
ومما هو ثابت علميا ومؤكد بشهادة النساء أنفسهن، أن المرأة أضعف من الرجل جسميا وأقل منه ذكاء، وأنها لا تضيق بذلك، وإنما تراه مظهرا لضعفها النسوي الذي هو في الواقع رأس مالها الذي تستخدمه في السيطرة على الرجل، في الوقت الذي تجعل منه راعيا لها. فهل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - بطريقة المباسطة - أقل أو أكثر من هذا الكلام؟
إن العجيب أن الذين يتبرمون بالإسلام، ويمارسون حرية هابطة مكشوفة في التقول عليه، يجلجلون بهذا الحديث في الأوساط الاجتماعية وربما في الأوساط النسائية خاصة، ويطيلون ألسنتهم بالنقد عليه، حتى إذا رأوا ما يقول كتاب علم النفس، ووقفوا على ما يقوله أمثال هذه الكاتبة، ألجموا ألسنتهم عن النقد وأصغوا إليه بالاحترام والقبول، إن لم نقل بالاستسلام والتقديس.
رابعا. قلة التكاليف - بالنسبة للمرأة - لا تعني نقص الدين:
قد فهمنا وجه التفاوت بين ذكاء المرأة والرجل، فما وجه ذلك بالنسبة للدين؟
وما الذي قضى بأن تكون المرأة ناقصة دين، وما الموجب لذلك، وما الخيار الذي يمكن أن تتحمل المرأة مسؤوليته في هذا الأمر؟
والجواب: أن نقص الدين قد يطلق ويراد به قلة التكاليف السلوكية لسبب ما، ولا شك أنها ليست مسئولية المكلف، أيا كان السبب، وقد يطلق ويراد به التهاون أو التقصير الذي يتلبس به المكلف بمسئوليته وباختيار منه.
فالطفل أو المراهق الذي لم يبلغ سن البلوغ، يوصف بأنه ناقص الدين، ولا يعني أنه يتحمل جريرة أي تقصير أو تهاون فيه، بل ربما كان كثير القيام بالواجبات والفرائض والنوافل سريعا إليها نشيطا في أدائها، أحسن من كثير من الرجال البالغين، غير أنه يوصف مع ذلك بأنه ناقص دين، نظرا إلى أنه لم يكلف بعد بشيء من مبادئه وأحكامه، فهو يوصف بنقصان الدين في المعنى الأول.
والإنسان المتهاون بأوامر الله وأحكامه، المستهتر بحدوده، يوصف أيضا بنقصان الدين. ولكنه هنا يعني التقصير في الالتزام بمبادئ الدين بعزم منه واختيار، فهو يتحمل جريرة تقصيره والمسئولية المترتبة على نقصان دينه، فهو يوصف بنقصان الدين بالمعنى الثاني.
إذا تبين هذا فإن الوصف الذي وصف به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المرأة من النقصان في الدين، إنما يصدق بالمعنى الأول - قلة التكاليف - فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يعني أن المرأة خفف الله عنها بعض التكاليف الدينية، وأسقطها عنها، فهي لا تكلف بالصلاة أثناء المحيض كما لا تكلف بها أثناء النفاس، ولا تكلف بقضاء شيء منها بعد ذلك، كما أسقط عنها تلاوة القرآن ذاتها، ولكن دون أن ينقص شيء من أجرها بسبب ذلك؛ إذ إن الأمر ليس عائدا إلى تقصير منها ولكنه عائد إلى تخفيف من الله عنها، والمرأة توصف في هذه الحال بأنها ناقصة دين، أي ناقصة التكاليف الدينية، ومعاذ الله أن يكون المعنى أنها مقصرة في دينها؛ إذ ليس لها أي اختيار في أمر فرضه الله عليها.
ومن أوضح الأدلة على ذلك:
أن البيان الإلهي قرر في أكثر من موضع من كتاب الله - عز وجل - أن أجر الرجل والمرأة الملتزمين بدين الله سواء، لا يعلو الرجل على المرأة ولا العكس؛ ومن ذلك قوله عز وجل: )ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا (124)( (النساء).
فإن قلت: كلام الله مشروط بالعمل الصالح، والمرأة ممنوعة في المحيض والنفاس من أهم الأعمال الصالحة وهي الصلاة، فلم يتحقق الشرط الذي أنيط به الأجر لكل من الرجل والمرأة.
فالجواب: أن الاستجابة لأوامر الله سعيا لمرضاته، هي مصدر الأجر والثواب، والاستجابة كما تكون بالأفعال الإيجابية، تكون أيضا بالالتزامات السلبية، والله - عز وجل - يحب أن تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه.
فالمرأة التي كلفها الله - عز وجل - بعدم القيام إلى الصلاة مدة الحيض، لا شك أنها تثاب على النهوض بهذا التكليف، ما دام قصدها الاستجابة لأمر الله - عز وجل - فإحجامها عن الصلاة في هذه المدة كقيام الآخرين إلى الصلاة في المدة ذاتها، كلاهما مصدر مثوبة وأجر ما دام كل منهما مندفعا إلى اتخاذ الموقف الذي كلف به، تحقيقا لأمر الله.
وكم من امرأة تجد نفسها متشوقة إلى أن تحضر صلاة التراويح في رمضان، وتعاني في نفسها ظمأ شديدا إلى ذلك، ولكنها تحجم عن هذا الذي هي متلهفة إليه تجنبا لسخط الله وانقيادا لأمره واحتسابا لوجهه، ولها على ذلك من الأجر ما لايعلمه إلا الله عز وجل. وإلا فما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» [11]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم».[12] إذن فقد وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المرأة بواقع، لا تبعة عليها فيه وليس فيه أية منقصة لها أو مسؤولية عليها [13].
وهل يعقل عاقل وهل يجوز في أي منطق أن يعهد الإسلام وتعهد الفطرة الإلهية بأهم الصناعات الإنسانية والاجتماعية - صناعة الإنسان ورعاية الأسرة، وصناعة مستقبل الأمة - إلى ناقصات العقل والدين، بهذا المعنى السلبي الذي لم يقصده الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - الذي حرر المرأة تحريره للرجل، عندما بعثه الله بالحياة والإحياء لمطلق الإنسان، كما قال رب العزة: )يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون (24)( (الأنفال)، فوضع بهذا الإحياء عن الناس - كل الناس - ما كانوا قد حملوا من الآصار والأغلال.
إنها تفسيرات مغلوطة حاول بها أسرى العادات والتقاليد إضفاء الشريعة الدينية على هذه العادات والتقاليد التي لا علاقة لها بالإسلام، والتي يبرأ منها هذا الحديث النبوي الشريف.
وإذا كان لنا أن نزكي المنطق الإسلامي الذي صوبنا به معنى الحديث النبوي الشريف، وخاصة بالنسبة للذين لا يطمئنون إلى المنطق إلا إذا زكته ودعمته النصوص، فإننا نذكر بكلمات ابن القيم حيث يقول: "إن المرأة العدل كالرجل في الصدق والأمانة والديانة"، وبكلمات الإمام محمد عبده التي تقول: "إن حقوق الرجل والمرأة متبادلة، وإنهما أكفاء... وهما متماثلان في الحقوق والأعمال، كما أنهما متماثلان في الذات والإحساس والشعور والعقل، أي أن كلا منهما بشر تام له عقل يتفكر في مصالحه، وقلب يحب ما يلائمه ويسر به، ويكره ما لايلائمه وينفر منه[14].
وقد أسهب في إيضاح الفهم الصحيح لهذا الحديث، واستشفاف دلالاته الصائبة وتبيان المقاصد النبوية فيه، الأستاذ عبد الحليم أبو شقة، ومما جاء في كلامه: "سنعرض لهذا الحديث من ثلاث زوايا:
الأولى: الدلالة العامة لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن» [15].
إن النص يحتاج إلى دراسة وتأمل، سواء من ناحية المناسبة التي قيل فيها، أو من ناحية من وجه إليهن الخطاب، أو من حيث الصياغة التي صيغ بها الخطاب... وذلك حتى نتبين دلالته على معالم شخصية المرأة؛ فمن ناحية المناسبة، فقد قيل النص خلال عظة للنساء في يوم عيد، فهل نتوقع من الرسول الكريم صاحب الخلق العظيم أن يغض من شأن النساء أو يحط من كرامتهن أو ينتقص من شخصيتهن في هذه المناسبة البهيجة؟!! ومن ناحية من وجه إليه الخطاب فقد كن جماعة من نساء المدينة، وأغلبهن من الأنصار اللاتي قال فيهن عمر بن الخطاب: "فلما قدمنا على الأنصار إذا قوم تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار"؛ وهذا يوضح لماذا قال الرسول الكريم: "ما رأيت أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن".
أما من حيث صياغة النص فليست صيغة تقرير - قاعدة عامة أو حكم عام -، وإنما هي أقرب إلى التعبير عن تعجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من التناقض القائم في ظاهرة تغلب النساء - وفيهن ضعف - على الرجال ذوي الحزم، أي التعجب من حكمة الله! كيف وضع القوة حيث مظنة الضعف وأخرج الضعف من مظنة القوة؟! لذلك نتساءل هل تحمل الصياغة معنى من معاني الملاطفة العامة للنساء خلال العظة النبوية؟ وهل تحمل تمهيدا لطيفا لفقرة من فقرات العظة، وكأنها تقول: أيتها النساء، إذا كان الله قد منحكن القدرة على الذهاب بلب الرجل الحازم برغم ضعفكن، فاتقين الله ولا تستعملنها إلا في الخير والمعروف.
وهكذا كانت كلمة "ناقصات عقل ودين" إنما جاءت مرة واحدة، وفي مجال إثارة الانتباه والتمهيد اللطيف لعظة خاصة بالنساء، ولم تجئ قط مستقلة في صيغة تقريرية سواء أمام النساء أو أمام الرجال.
الثانية: هي الدلالة الخاصة لقوله صلى الله عليه وسلم: "ناقصات عقل".
هناك عدة احتمالات للنقص العقلي مثل:
o نقص فطري عام، أي في متوسط الذكاء.
o نقص فطري نوعي، أي في بعض القدرات العقلية الخاصة، مثل: الاستدلال الحسابي والتخيل والإدراك.
o نقص عرضي نوعي قصير الأجل، وهذا يطرأ على الفطرة مؤقتا نتيجة ظرف عارض، مثل: دورة الحيض أو فترة النفاس أو بعض فترات الحمل.
o نقص عرضي نوعي طويل الأجل، وهذا يطرأ على الفطرة نتيجة ظروف معيشية خاصة؛ كالانشغال بالحمل والولادة والرضاعة والحضانة، هذا مع الانحصار بين جدران البيت، لا تكاد تغادره، والانقطاع تماما عن العالم الخارجي مما يؤدي إلى ضمور الوعي بمجالات الحياة وضعف الإدراك لقضايا المال وغيرها.
إن المثال الذي ضربه الرسول الكريم للنساء على نقص العقل يساعد على ترجيح النقص النوعي سواء أكان فطريا أم عرضيا، وأيا كان مجال النقص فهو لا يخدش قواها العقلية وقدرتها على تحمل جميع مسئولياتها الأساسية المنوطة بها وحدها دون زوجها، ومن هذه المسئوليات ما تختص به وهو حضانة الأطفال، وهذه ما كان الله ليسندها إلا لإنسان سوي، وما كان لنا نحن الرجال أن نأمن على أبنائنا وبناتنا في كنف إنسان عاجز مختل العقل والدين!!
يتبـــــــع الموضوع